ملخص عن كتاب: رسالة في زكاة الحلي **
هذه رسالة في بيان حكم زكاة الحلي المباح، ذكر فيها الشيخ طرفًا من الخلاف الفقهي، وبيان أدلة المخالفين، ثم يبرز الراجح من الأقوال، وأدلة الترجيح.
التصنيف الفرعي للكتاب: فقه عام
محمد بن صالح بن محمد بن سليمان بن عبد الرحمن العثيمين الوهيبي التميمي، أبو عبد الله، ولد عام (1347هـ) في مدينة عنيزة- إحدى مدن القصيم- بالمملكة العربية السعودية، تعلم القرآن الكريم على جده من جهة أمه عبد الرحمن بن سليمان الدامغ، ثم تعلم الكتابة وشيئًا من الأدب والحساب، والتحق بإحدى المدارس وحفظ القرآن عن ظهر قلب في سن مبكرة، ومختصرات المتون في الحديث والفقه، ويعتبر الشيخ عبد الرحمن السعدي شيخه الأول الذي نهل من معين علمه وتأثر بمنهجه وتأصيله واتباعه للدليل وطريقة تدريسه وتقريره وتقريبه العلم لطلابه بأيسر الطرق وأسلمها، ملأ ذكره الدنيا وشاع علمه في الآفاق وشهد له القاصي والداني بفضله وعلو مكانته، كان له نشاط كبير في الدعوة والتعليم داخل المملكة وخارجها، وله العديد من المؤلفات في شتى العلوم، وحصل على جائزة الملك فيصل العالية لخدمة الإسلام للعام الهجري (1414)، وتوفي بجدة عام (1421هـ).
الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ـ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فهذه رسالة في بيان حكم زكاة الحلي المباح ذكرت فيها ما بلغه علمي من الخلاف والراجح من الأقوال وأدلة الترجيح، فأقول وبالله التوفيق والثقة وعليه التكلان وهو المستعان: لقد اختلف أهل العلم رحمهم الله في وجوب الزكاة في الحلي المباح على خمسة أقوال:
أحدها: لا زكاة فيه وهو المشهور من مذاهب الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد إلا إذا اعد للنفقة وان اعد للأجرة ففيه الزكاة عند أصحاب أحمد ولا زكاة فيه عند أصحاب مالك والشافعي وقد ذكرنا أدلة هذا القول إيرادا على القائلين بالوجوب واجبنا عنها.
الثاني: فيه الزكاة سنة واحدة وهو مروي عن أنس ابن مالك رضي الله عنه.
الثالث: زكاته عاريته، وهو مروي عن أسماء وأنس ابن مالك أيضًا.
الرابع: أنه يجب فيه أما الزكاة وأما العارية ورجحه ابن القيم رحمه الله في الطريق الحكمة.
القول الخامس: وجوب الزكاة فيه إذا بلغ نصابا كل عام، وهو مذهب أبي حنيفة وراويه عن أحمد وأحد القولين في مذهب الشافعي وهذا هو القول الراجح لدلالة الكتاب والسنة والآثار عليه – فمن أدلة الكتاب قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ} [التوبة: 34: 35] والمراد بكنز الذهب والفضة عدم إخراج ما يجب فيهما من زكاة وغيرها من الحقوق، قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: كل ما أديت وان كان تحت سبع أرضين فليس بكنز وكل ما لا تؤدي زكاته فهو كنز وان كان ظاهرا على وجه الأرض. قال ابن كثير رحمه الله: وقد روي هذا عن ابن عباس وجابر وأبي هريرة مرفوعا و موقوفا.ا.هـ – والآية عامة في جميع الذهب و الفضة لم تخصص شيئًا دون شيء، فمن ادعي خروج الحلي المباح من هذا العموم فعليه الدليل.
1- ما رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فاحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره) الحديث [رواه مسلم , كتاب الزكاة , باب , كتاب الزكاة , باب إثم مانع الزكاة] والمتحلي بالذهب والفضة صاحب ذهب وفضة ولا دليل على إخراجه من العموم وحق الذهب الفضة من أعظمه وأوجبه الزكاة. قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: الزكاة حق المال
2/ما رواه الترمذي والنسائي وأبو داود واللفظ له قال: حدثنا أبو كامل و حميد بن مسعدة المعنى أن خالد ابن الحارث حدثهم، حدثنا حسين عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن حده أن امرأة أتت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ و معها ابنة لها و في يد ابنتها مسكتان [ مسكتان: بفتح الميم وفتح السين المهملة , الواحدة مسكة وهي السوار] غليظتان من ذهب، فقال لها: (أتعطين زكاة هذا؟ قالت: لا. قال: أيسرك أن يسورك الله بهما سوارين من نار) قال: فخلعتهما فالقتهما إلي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقالت: هما لله ورسوله [رواه ابوداؤود , كتاب الزكاة , باب الكنز ما هو وزكاة الحلي رقم ( 1563) والترمزي كتاب الزكاة باب ما جاء في زكاة الحلي رقم (637) والنسائي كتاب الزكاة باب زكاة الحلي رقم (2479).]
– قال في بلوغ المرام [بلوغ المرام ( 1/207) طبعة دار ابن كثير] وإسناده قوي. وقد رواه الترمذي عن طريق ابن لهيعة و المثنى بن الصباح ثم قال: أنهما يضعفان في الحديث، ولا يصح في هذا الباب شيء لكن قد رد قول الترمذي هذا برواية أبي داود لهذا الحديث من طريق حسين المعلم وهو ثقة احتج به صاحبا الصحيحين البخاري ومسلم وقد وافقهم الحجاج بن بن ارطاة، وقد وثقه بعضهم وروى نحوه أحمد عن أسماء بنت يزيد بإسناد حسن.
3- ما رواه أبو داود قال: حدثنا محمد بن إدريس الرازي، حدثنا عمرو بن الربيع بن طارق، حدثنا يحي ابن أيوب عن عبيد الله بن أبي جعفر أن محمد ابن عمرو بن عطاء اخبره عن عبد الله بن شداد بن الهاد انه قال: دخلنا على عائشة ـ رضي الله عنها ـ فقالت: (دخل علي رسول الله فرأى في يدي فتخات من ورق [الورق: الفضة] فقال: (ما هذا يا عائشة؟ فقلت: صنعتهن أتزين لك يا رسول الله. فقال: هو حسبك من النار) [رواه أبو داؤود, كتاب الزكاة , باب الكنز وزكاة الحلي رقم ( 1565) ] قيل لسفيان: كيف تزكيه؟قال: تضمه إلي غيره- وهذا الحديث أخرجه أيضا الحاكم و البيهقي و الدارقطني [رواه الحاكم (1/390) والبيقهي (4/129) والدار قطنى (2/105)] وقال في التخليص[ تلخيص الحبير (2/189)] إسناده على شرط الصحيح وصححه الحاكم وقال: إنه على شرط الشيخين ـ يعني البخاري ومسلمًا ـ وقال ابن دقيق: إنه على شرط مسلم.
4- ما رواه أبو داود قال: حدثنا محمد بن عيسى، حدثنا عتاب – يعني أبي بشير عن ثابت بت عجلان، عن عطاء عن أم سلمة قالت: كنت البس أوضاحا من ذهب فقلت: يا رسول الله اكنز هذا؟ فقال: (ما بلغ تؤدي زكاته فزكي فليس بكنز) [رواه ابوداؤود , كتاب الزكاة ما هو الحلي وزكاة الحلي رقم (1564)] وأخرجه أيضا البيهقي والدارقطني والحاكم وقال: صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه وصححه أيضا الذهبي [رواه البيهقي (4/140) والدار (1/105)] وقال البيهقي: تفرد به ابن عجلان قال في التنقيح: وهذا لا يضر فان ثابت بن عجلان روى له البخاري ووثقه ابن معين و النسائي، وقول عبد الحق فيه: ((لا يحتج بحديثه)) قول لم قله غيره. قال ابن دقيق: وقول العقيلي في ثابت بن عجلان ((لا يتابع على حديثه)) تحامل منه
* فإن قيل: خلع هذا حين كان التحلي ممنوعا كما قاله مسقطو الزكاة في الحلي
فالجواب: إن هذا لا يستقيم فان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يمنع من التحلي به بل اقره مع الوعيد على ترك الزكاة ولو كان التحلي ممنوعا لأمر بخلعه و توعد على لبسه ثم إن النسخ يحتاج إلى معرفة التاريخ ولا يثبت ذلك بالاحتمال ثم لو فرضنا انه كان حين التحريم فان الأحاديث المذكورة تدل على الجواز بشرط إخراج الزكاة و لا دليل على ارتفاع هذا الشرط وإباحته إباحة مطلقة أي بدون زكاة
* فإن قيل: ما الجواب عما احتج به لا يرى الزكاة في الحلي وهو ما رواه ابن الجوزي بسنده في (التحقيق) عن عافيه بن أيوب، عن الليث بن سعد، عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ((ليس في الحلي زكاة)) ورواه البيهقي في ((معرفة السنن والآثار))
قيل: الجواب علي هذا من ثلاثة أوجه: الأول: أن البيهقي قال فيه: إنه باطل لا أصل له و إنما يروى عن جابر من قوله وعافية بن أيوب مجهول فمن احتج به كان مغررًا بدينه
الثاني: إننا إذا فرضنا توثيق عافية كما نقله ابن حاتم عن أبي زرعة فانه لا يعارض احاديث الوجوب ولا يقابل بها لصحتها و نهاية ضعفه
الثالث: إننا إذا فرضنا انه مساو لها و يمكن معارضتها به فان الأخذ بها أحوط و ما كان أحوط فهو اولى بالإتباع لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (دع ما يريبك إلي ما لا يريبك) [احمد (1/200) و(3/153) والترمذي , كتاب صفة القيامة , رقم (2518)] وقوله: (فمن اتقى الشبهات فقد استبرا لدينه و عرضه) [رواه البخاري , كتاب الإيمان , باب فضل من استبرأ لدينه رقم (52) ومسلم , كتاب المساقاة , باب اخذ الحلال وترك الشبهات رقم ( 1599) ]
و أما الآثار فمنها
1- عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه انه كتب إلي أبي موسى أن مر من قبلك من نساء المسلمين أن يصدقن من حليهن – قال ابن حجر في التلخيص [تلخيص الجبير (1/188)] انه أخرجه ابن أبي شيبة والبيهقي من طريق شعيب بن يسار وهو مرسل قاله البخاري. قال: وقد أنكر ذلك الحسن فيما رواه ابن أبي شيبة عنه قال: لا نعلم أحدًا من الخلفاء قال في الحلي زكاة لكن ذكره مرويا عن عمر صاحب المغني والمحلي والخطابي
2- عن بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ إن امرأة سألته عن حلي لها فقال: إذا بلغ مائتي درهم ففيه زكاة رواه الطبراني والبيهقي [رواه الطبراني (9/319) والبيهقي (4/931)] و رواه الدارقطني من حديثه مرفوعا وقال: هذا وهم والصواب موقوف [سنن الدار قطنى ( 1/108) ].
3- عن ابن عباس رضي الله عنهما، حكاه عنه المنذري والبيهقي قال الشافعي: لا أدري يثبت عنه أم لا
4- عن عبد الله بن عمر بن العاص انه كان يأمر بالزكاة في حلي بناته و نسائه، ذكره في المحلي من طريق جرير بن حازم عن عمرو بن شعيب عن أبيه.
5- عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ إنها قالت: لا باس بلبس الحلي إذا أعطى زكاته. رواه الدارقطني [سنن الدار قطنى ( 1/107)] من حديث عمرو بن شعيب عن عروة عن عائشة، لكن روى مالك في الموطأ [الموطأ ( 1/250)] عن عبد الرحمن بن لقاسم عن أبيه عن عائشة إنها كانت تلي بنات أخيها يتامى في حجرها لهن الحلي، فلا تخرج من حليهن الزكاة. قال ابن حجر في التخليص [تلخيص الحبير ( 1/189)] ويمكن الجمع بينهما بأنها كانت ترى الزكاة فيها [أي في الحلية] ولا ترى إخراج الزكاة مطلقا عن مال الأيتام لكن يرد على جمعه هذا ما رواه مالك في الموطأ [ الموطأ (1/251)] عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه انه قال: كانت عائشة تليني وأخا لي يتيمين في حجرها فكانت تخرج من أموالنا الزكاة. قال بعضهم: ويمكن أن يجاب عن ذلك بأنها لا ترى إخراج الزكاة عن أموال اليتامى واجبًا فتخرجه تارة ولا تخرج أخرى كذا اقل. وأحسن منه أن يجاب بوجه آخر وهو إن عدم إخراجها فعل والفعل لا عموم له فقد يكون لأسباب ترى إنها مانعة من وجوب الزكاة فلا يعارض القول والله أعلم
* فإن قيل: ما الجواب عما استدل به مسقطو الزكاة فيما نقله الأثرم قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول: خمسة من الصحابة كانوا لا يرون في الحلي زكاة: انس ابن مالك و جابر وابن عمر وعائشة وأسماء؟ فالجواب: إن بعض هؤلاء روي عنهم الوجوب و إذا فرضنا أن لجميعهم قولا واحدا أو أن المتأخر عنهم هو القول بعدم الوجوب فقد خالفهم من خالفهم من الصحابة، وعند التنازع يجب الرجوع إلي الكتاب والسنة وقد جاء فيهما ما يدل على الوجوب كما سبق.
*فإن قيل: قد ثبت في الصحيحين [رواه البخاري , كتاب الزكاة, باب الزكاة على الزوج رقم (1466) ومسلم, كتاب الزكاة , باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين والزوج رقم (1000)] أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (تصدقن يا معشر النساء ولو من حليكن) وهذا دليل على عدم وجوب الزكاة في الحلي إذ لو كانت واجبة في الحلي لما جعله النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مضربا لصدقة التطوع. فالجواب على هذا: إن الأمر بالصدقة من الحلي ليس فيه إثبات وجوب الزكاة فيه ولا نفيه عنه وإنما فيه الأمر بالصدقة حتى من حاجيات الإنسان و نظير هذا أن يقال: تصدق ولو من دراهم نفقتك ونفقة عيالك فان هذا لا يدل على انتفاء و جوب الزكاة في هذه الدراهم
*فان قيل: إن في لفظ الحديث: (وفي الرقة في مائتي درهم ربع العشر) [رواه أحمد (1/12)
] و في حديث علي: (وليس عليك شيء حتى يكون ذلك عشرون دينار) [رواه أبو داود, كتاب الزكاة, باب فى زكاة السائمة رقم ( 1573)] والرقة هي الفضة المضروبة سكة وكذلك الدينار هو السكة وهذا دليل علة اختصاص وجوب الزكاة بما كان كذلك
والحلي ليس منه. فالجواب من وجهين:
أحدهما: إن الذين لا يوجبون زكاة الحلي ويستدلون بمثل هذا اللفظ لا يخصون وجوب الزكاة بالمضروب من الذهب والفضة بل يوجبونها في التبر [ما كان الذهب والفضة غير مصوغ] ونحوه وان لم يكن مضروبا و هذا تناقض منهم و تحكم حيث ادخلوا فيه ما لا يشمله اللفظ على زعمهم و اخرجوا منه نظير ما ادخلوه من حيث دلالة اللفظ عليه أو عدمها.
الثاني: إننا إذا سلمنا اختصاص الرقة و الدينار بالمضروب من الفضة والذهب فان الحديث يدل على ذكر بعض أفراد وأنواع العام بحكم لا يخالف حكم العام وهذا لا يدل على التخصص كما إذا قلت: أكرم العلماء ثم قلت: أكرم زيدا و كان من جملة العلماء فإنه لا يدل على اختصاصه بالإكرام، فالنصوص جاء بعضها عاما في وجوب زكاة الذهب والفضة وبعضها جاء بلفظ الرقة الدينار وهو بعض أفراد العام فلا يدل ذلك على التخصيص
*فان قيل: ما الفرق بين الحلي المباح وبين الثياب المباحة إذا قلنا بوجوب الزكاة في الاول دون الثاني؟
فالجواب: إن الشارع فرق بينهما حيث أوجبها في الذهب و الفضة من غير استثناء بل وردت نصوص خاصة في وجوبها في الحلي المباح المستعمل كما سبق وأما الثياب فهي بمنزلة الفرس وعبد الخدمة الذين قال فيهما رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة) [رواة البخاري , كتاب الزكاة , باب لا زكاة على المسلم في عبده ولا فرسه رقم (982)] فإذا كانت الثياب لللبس فلا زكاة فيها و إن كانت للتجارة ففيها زكاة التجارة.
*فإن قيل: هل يصح قياس الحلي المباح المعد للاستعمال علي الثياب المباحة المعدة للاستعمال كما قاله من لا يوجبون الزكاة في الحلي؟
*فالجواب: لا يصح القياس لوجوه:
الأول: انه قياس في مقابلة النص وكل قياس في مقابلة النص فهو قياس فاسد وذلك لأنه يقتضي إبطال العمل بالنص، ولان النص إذا فرق بين شيئين في الحكم فهو دليل على أن بينهما من الفوارق ما يمنع إلحاق احدهما بالآخر، ويجب افتراقها سواء علمنا تلك الفوارق أم جهلناها ومن ظن افتراق ما جمع الشارع بينهما أو اجتماع ما فرق الشارع بينهما فظنه خطأ بلا شك فان الشرع نزل من لدن حكيم خبير.
الثاني: إن الثياب لم تجب الزكاة فيها أصلا، فلم تكن الزكاة فيها واجبة أو ساقطة بحسب القصد و إنما الحكم فيها واحد، وهو عدم وجوب الزكاة فكان مقتضي القياس أن يكون حكم الحلي واحدا وهو وجوب الزكاة سواء أعده لللبس أو لغيره، ولا يرد على ذلك وجوب الزكاة فيها إذا كانت عروضا لان الزكاة حينئذ في قيمتها.
الثالث: أن يقال: ما هو القياس الذي يراد الجمع به بين الحلي المعد للاستعمال و الثياب المعدة له؟ اهو قياس التسوية أم قياس العكس؟ فان قيل هو قياس التسوية، قيل: هذا إنما يصح لو كانت الثياب تجب فيها الزكاة قبل إعدادها للبس والاستعمال ثم سقطت الزكاة بعد إعدادها ليتساوى الفرع والأصل في الحكم وإن قيل: هو قياس العكس، قيل: هذا إنما يصح لو كانت الثياب لا تجب فيها الزكاة إذا لم تعد لللبس وتجب فيها إذا أعدت لللبس فان هذا هو عكس الحكم في الحلي عند المفرقين بين الحلي المعد لللبس وغيره.
الرابع: إن الثياب والحلي افترقت عند مسقطي الزكاة في الحلي في كثير من المسائل، فما الفرق بينهما:
1-إذا أعد الحلي لنفقة وأعد الثياب للنفقة بمعنى أنه إذا احتاج للنفقة باع منهما واشترى نفقة فقالوا: في هذا الحال تجب الزكاة في الحلي ولا تجب في الثياب. ومن الغريب أن يقال: امرأة غنية يأتيها المال من كل مكان و كلما ذكر لها حلي معتاد اللبس اشترته برفيع الأثمان للتحلي به غير فرار من الزكاة ولما افترقت هذه المرأة نفسها أبقت حليها للنفقة وضرورة العيش، فقلنا لها في الحلي الأولى: لا زكاة عليك في هذا الحلي، وقلنا لها في الحال الأخيرة: عليه الزكاة فيه. هذا هو مقتضي قول مسقطي الزكاة في الحلي المباح.
2- إن الحنابلة قالوا: أنه إذا اعد الحلي للكراء وجبت فيه الزكاة وإذا أعدت الثياب للكراء لم تجب.
3- انه إذا كان الحلي محرما وجبت الزكاة فيه وإذا كانت الثياب محرمة لم تجب الزكاة فيها
4- لو كان عنده حلي للقنية [(1)] ثم نواه للتجارة صار للتجارة ولو كان عنده ثياب للقنية ثم نواها للتجارة لم تصر للتجارة وعللوا ذلك بان الأصل في الحلي الزكاة فقويت النية بذلك بخلاف الثياب وهذا اعتراف منهم بان الأصل في الحلي وجوب الزكاة. فنقول لهم: وما الذي هدم هذا الأصل بدون دليل؟
5- قالوا: لو نوى الفرار من الزكاة باتخاذ الحلي لم تسقط الزكاة، وظاهر كلام أكثر أصحاب الإمام أحمد انه لو أكثر من شراء العقار فرار من الزكاة سقطت الزكاة وقياس ذلك لو أكثر من شراء الثياب فرارًا من الزكاة سقطت الزكاة إذ لا فرق بين الثياب والعقار فإذا كان الحلي المباح مفارقا للثياب المعدة لللبس في هذه الأحكام فكيف نوجب أو نجيز إلحاقه بها في حكم دل النص على افتراقها فيه؟ إذا نبين ذلك فان الزكاة لا تجب في الحلي حتى يبلغ نصابا لحديث أم سلمة السابق: (ما بلغ أن تودي زكاته فزكي فليس بكنز) [(2)] فنصاب الذهب عشرون دينارا [المراد الدينار الإسلامي الذي يبلغ وزنه المثقال لربعة جرامات وربع , فيكون نصاب الذهب خمسة وثمانين جرامًا, يعادل عشر جنيهات سعودي وخمسة أثمان الجنية] ونصاب الفضة مائتا درهم [(3)].
فإذا كان حلي الذهب ينقص وزن ذهبه عن عشرون دينارا وليس عند صاحبه من الذهب ما يكمل به النصاب فلا زكاة فيه وإذا كان حلي الفضة ينقص من وزن فضته عن مائتي درهم وليس عند صاحبه من الفضة ما يكمل به النصاب فلا زكاة فيه.
لكن هل المعتبر في نصاب الذهب الدينار الإسلامي الذي زنته مثقال وفي نصاب الفضة الدرهم الإسلامي الذي زنته سبعة أعشار مثقال أو المعتبر الدينار والدرهم عرفا في كل زمان و مكان بحسبه سواء قل ما فيه من الذهب والفضة أم كثر؟ الجمهور على الأول وحكى إجماعًا، وحقق شيخ الإسلام ابن تيمية الثاني أي أن المعتبر الدينار والدرهم المصطلح عليه في كل زمان و مكان بحسبه فما سمي دينارا أو درهما ثبتت له الأحكام المعلقة على اسم الدينار والدرهم سواء قل ما فيه من الذهب والفضة أم كثر وهذا هو الراجح عندي لموافقته ظاهر النصوص وعلى هذا فيكون نصاب الذهب عشرين جنيها ونصاب الفضة مائتي ريال وان احتاط المرء وعمل بقول الجمهور فقد فعل ما يثاب عليه إن شاء الله.
فإذا بلغ الحلي نصابا خاصا عشرين دينارا أن كان ذهبا و مائتي درهم إن كان فضة ففيه ربع العشر لحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (إذا كانت لك مائتا درهم وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم وليس عليك شيء يعني في الذهب – حتى يكون لك عشرون دينارا وحال عليها الحول ففيها نصف دينار) رواه أبو داود.[ سبق تخريجه ص ( 15)].
0 comments on “كتاب: رسالة في زكاة الحلي **”