كتاب: أحكام الجهاد وفضائله

ملخص عن كتاب:  أحكام الجهاد وفضائله

هذا كتاب جمع فيه مصنفه مجموعة من الآيات والأحاديث الواردة في فضل الجهاد وبيان أهم أحكامه، وكثيرا ما يعقبها بذكر شرح يسير مختصر يوضح المراد منها.

التصنيف الفرعي للكتاب: فقه عام 

المؤلفون : العزيز بن عبد السلام

عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم بن الحسن السلمي الدمشقي، عز الدين الملقب بسلطان العلماء. فقيه أصولي شافعي كان يلقب بسلطان العلماء وبائع الملوك، ولد بدمشق سنة 577هـ، ونشأ وتفقه بها على كبار علمائها، جمع إلى الفقه والأصول العلم بالحديث والأدب والخطابة والوعظ. كان خطيبًا للجامع الأموي، تخشى السلاطين والأمراء صولته وسلطانه، ولما أعطى السلطان الصالح إسماعيل الإفرنج بلدة صيدا أنكر عليه ذلك فوق المنبر، وترك الدعاء له في الخطبة، وخشي السلطان قوة تأثير عز الدين بن عبد السلام على الناس، فاعتقله ثم طلب منه مغادرة الشام، فغادرها إلى مصر، فقوبل بالترحاب هناك من ملكها الصالح ومن علمائها وأهلها. وولاه السلطان الخطبة في جامع عمرو بن العاص وولاه رئاسة القضاء، توفي بالقاهرة سنة 660هـ.

مقدمة:

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

وَصَلَّى اللهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا.

قَالَ الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ الْعَلَّامَةُ، الصَّدْرُ الْكَامِلُ، جَامِعُ أَشْتَاتِ الْفَضَائِلِ،، قَامْعُ الْبِدْعَةِ، نَاصْرُ الْحَقِّ، عِزُّ الدِّينِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ السُّلَمِيُّ الشَّافِعِيُّ، أَدَامَ اللهَ سَعَادَتَهُ، وَمَتَّعَنَا بِطُولِ حَيَاتِهِ:

أَمَّا بَعْدَ حَمْدِ اللهِ الَّذِي جَلَّتْ قُدْرَتُهُ، وَعَلَتْ كَلِمَتُهُ، وَعَمَّتْ رَحْمَتُهُ، وَسَبَغَتْ نِعْمَتُهُ، فَإِنَّ أَفْضَلَ الْأَعْمَالِ بَعْدَ الْإِيمَانِ بِاللهِ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ مَحْقِ أَعْدَاءِ اللهِ وَتَطْهِيرِ الْأَرْضِ مِنْهُمْ، وَاسْتِنْقَاذِ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَيْدِيهِمْ، وَصَوْنِ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالِهِمْ وَحُرَمِهِمْ وَأَطْفَالِهِمْ، وَارْتِفَاقِ الْمُسْلِمِينَ بِمَا مَنَحَهُ اللهُ مِنْ أَرَاضِي الْكُفَّارِ وَأَمْوَالِهِمْ وَإِرْقَاقِ حُرَمِهِمْ وَأَطْفَالِهِمْ.

وَلِذَلِكَ عَظَّمَ اللهَ فِيهِ أَجْرَ الطَّالِبِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمَطْلُوبِ، وَالْغَالِبِ وَالْمَغْلُوبِ، وَالْقَاتِلِ وَالْمَقْتُولِ، وَأَحْيَا الْقَتْلَى فِيهِ بَعْدَ مَمَاتِهِمْ، وَعَوَّضَهُمْ عَنْ حَيَاتِهِمُ الَّتِي بَذَلُوهَا لِأَجْلِهِ بِحَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ سَرْمَدِيَّةٍ لَا يَصِفُهَا الْوَاصِفُونَ وَلَا يَعْرِفُهُا الْعَارِفُونَ.

وَكَذَلِكَ لَمَّا فَارَقُوا الْأَهْلَ وَالْأَوْطَانَ أَسْكَنَهُمْ فِي جِوَارِهِ، وَآنَسَهُمْ بِقُرْبِهِ بَدَلًا مِنْ أُنْسِ مَنْ فَارَقُوهُ مِنْ أَحِبَّائِهِمْ لِأَجْلِهِ! فَطُوبَى لِمَنْ حَصَلَ عَلَى هَذَا الْأَجْرِ الْجَزِيلِ فِي جِوَارِ الرَّبِّ الْجَلِيلِ.

وَإِنَّمَا يَحْصُلُ ذَلِكَ لِمَنْ قَاتَلَ فِي سَبِيلِ اللهِ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا وَكَلِمَةُ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى.

فَصْلٌ فِي فَرْضِ الْجِهَادِ بِالْأَنْفُسِ وَالْأَمْوَالِ:

قَالَ اللهُ: {وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ} [التوبة: 41].

وَقَالَ: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216].

وَقَالَ: «جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ». [أَحْمَد، أبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ]، أَيْ أَغْلِِظُوا لَهُمُ الْكَلَامَ.

يَشْرُفُ الْبَذْلُ بِشَرَفِ الْمَبْذُولِ، وَأَفْضَلُ مَا بَذَلَهُ الْإِنْسَانُ نَفْسُهُ وَمَالُهُ.

وَلَمَّا كَانَتِ الْأَنفُسُ وَالْأَمْوَالُ مَبْذُولَةً فِي الْجِهَادِ جَعَلَ اللهُ مَنْ بَذَلَ نَفْسَهُ فِي أَعْلَى رُتَبِ الطَّائِعِينَ وَأَشْرَفِهَا؛ لِشَرَفِ مَا بَذَلَهُ مَعَ مَحْوِ الْكُفْرِ وَمَحْقِ أَهْلِهِ، وَإِعْزَازِ الدِّينِ وَصَوْنِ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ.

فَصْلٌ فِي التَّحْرِيضِ عَلَى الْجِهَادِ:

قَالَ اللهُ تَعَالَى: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: 84].

وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} [الأنفال: 65].

مَنْ قَاتَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِنَفْسِهِ وَحَثَّ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ بَاشَرَ الْجِهَادَ بِنَفْسِهِ وَتَسَبَّبَ إِلَى تَحْصِيلِهِ بِحَثِّهِ، فَحَازَ أَشْرَفَ التَّسَبُّبِ وَالْمُبَاشَرَةِ، وَكَانَ حَثُّهُ عَلَى ذَلِكَ أَمْرًا بِالْمَعْرُوفِ الَّذِي هُوَ تِلْوَ الْإِيمَانِ.

وَإِذَا كَانَ هَذَا لمَِنْ تَسَبَّبَ بِقَوْلِهِ، فَمَا الظَّنُّ بِمَنْ تَسَبَّبِ إِلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ وَفِعْلِهِ فَجَنَّدَ الْأَجْنَادَ وَبَاشَرَ الْجِهَادَ؟.

فَصْلٌ فِي فَضْلِ الْجِهَادِ:

قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}[النساء: 74].

وَقَالَ تَعَالَى: {وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95) دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [النساء: 95- 96].

وَرَوَى أبُو سَعِيدٍ عَن رَّسُولِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ رَّسُولًا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ». فَعَجِبَ لَهَا أبُو سَعِيدٍ فَقَالَ: أَعِدْهَا عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَأَعَادَهَا ِعَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: «وَأُخْرَى يَرْفَعُ اللَّهُ بِهَا الْعَبْدَ مِائَةَ دَرَجَةٍ فِي الْجَنَّةِ، مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ مِثْلُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ». قَالَ: وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ». [مُسْلِم].

وَقَالَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ ماِئَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ تَعَالَى لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالِأَرْضِ». [البخاريُّ].

وَقَالَ: «مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ الْقَانِتِ بِآيَاتِ اللَّهِ لَا يَفْتُرُ مِنْ صِيَامٍ وَلَا صَلَاةٍ حَتَّى يَرْجِعَ الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّه ِتَعَالَى». [مُتَّفَق ِعَلَيْه].

وَسُئِلَ: أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: «إِيمَانٌ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ». قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ». قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «حَجٌّ مَبْرُورٌ». [مُتَّفَقٌ ِعَلَيْهِ].

إِنَّمَا فَضَّلَ اللَّهُ الْجِهَادَ وَجَعَلَهُ تِلْوَ الْإِيمَانِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ مَصَالِحِهِ الْعَاجِلَةِ وَمَنَافِعِهِ الْآجِلَةِ.

فَضْلُ الْخُرُوجِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ:

قَالَ صَلََّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَََّمَ: «تَضَمَّنَ اللَّهُ لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ- لَا يُخْرِجُهُ إلَّا جِهَادٌ فِي سَبِيلِي وَإِيمَانٌ بِي وَتَصْدِيقٌ بِرُسُلِي- أَنْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ أُرْجِعَهُ إِلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ نَائِلًا مَّا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ». [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].

وَحَكَى عَنْ رَّبِّهِ أَنَّهُ قَالَ: «أَيُّمَا عَبْدٍ مِنْ عِبَادِي خَرَجَ مُجَاهِدًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي ضَمِنْتُ لَهُ إِنْ رَجَعْتُهُ أُرْجِعُهُ بِمَا أَصَابَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ، وَإِنْ قَبَضْتُهُ غَفَرْتُ لَهُ وَرَحِمْتُهُ». [أَحْمَد النَّسَائِي وَالتِّرْمَذِيُّ].

إِنَّمَا ضَمِنَ اللَّهُ الرَّجْعَةَ وَالرِّضْوَانَ وَالْغُفْرَانَ لِمَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِهِ وَنُصْرَةً لِدِينِهِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ مِنَ الْأََعْمَالِ إلَّا مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهُهُ.

فَضْلُ النَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللهِ:

قَالَ اللهُ تَعَالَى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ} [البقرة: 261].

وَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «مُؤْمِنٌ مُجَاهِدٌ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ رَجُلٌ فِي شِعْبٍ مِنَ الشِّعَابِ يَعْبُدُ اللَّهَ». [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].

إِنَّمَا شَرُفَتِ النَّفَقَةُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لِأَنَّهَا وَسِيلَةٌ إِلَى أَفْضَلِ الْأََعْمَالِ بَعْدَ الْإِيمَانِ، وَإِذَا كَانَتْ حَسَنَةُ الوَسِيلَةِ بِسَبْعِ مِائَةٍ فَمَا الظَّنُّ بِحَسَنَةِ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟

فَصْلٌ فِي الِاسْتِعَانَةِ بِاللهِ اسْتِنْصَارًا لَهُ:

قَالَ اللهُ تَعَالَى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأنفال: 9].

وَرُوِيَ عَن رَّسُولِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ بَدْرٍ: «اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي». [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].

فَصْلٌ فِي مَنْ رَأَى عَدُوًّا فَخَافَهُ:

كَانَ رَسُولُ اللَّهِ إذَا رَأَى قَوْمًا فَخَافَهُمْ قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنَِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شُرُورِهِمْ وَأَدْرَأُ بِكَ فِي نُحُورِهِمْ». [أَحْمَدُ أبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ].

فَصْلٌ فِي ذِكْرِ اللهِ فِي الْقِتَالِ:

قَالَ اللهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ} [الأنفال: 45].

فَصْلٌ فِي بَيْعِ الْمُجَاهِدِ نَفْسَهُ وَمَالَهُ:

قَالَ اللهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 111].

فِي الْوَفَاءِ بِبَيْعَةِ اللهِ:

قَالَ اللهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح: 10].

فِي الْبَيْعَةِ الْمُوجِبَةِ لِرَضَا اللهِ:

قَالَ اللهُ تَعَالَى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح: 18].

اخْتُلِفَ فِي هَذِهِ الْبَيْعَةِ:

فَقِيلَ: بَايَعُوهُ عَلَى أَنَّهُمْ لَا يَفِرُّونَ.

وَقِيلَ: بَايَعُوهُ عَلَى الْمَوْتِ.

فَصْلٌ فِي فَضْلِ الْغُبَارِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ:

قَالَ: «لَا يَلِجُ النَّارَ رَجُلٌ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ حَتَّى يَعُودَ اللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ، وَلَا يَجْتَمِعُ عَلَى عَبْدٍ غُبَارٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَدُخَانُ جَهَنَّمَ». [أَحْمَدُ، النَّسَائِيُّ وَالتِّرْمَذِيُّ].

وَقَالَ: «مَا اغْبَرَّتْ قَدَمَا عَبْدٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَمَسُّهُ النَّارُ». [الْبُخَارِيُّ].

إَذَا كَانَتْ مَشَقَّة ُالْغُبَارِ عَاصِمَةً مِنْ عَذَابِ النَّارِ، فَمَا الظَّنُّ بِمَنْ بَذَلَ مَالَهُ وَغَرَّرَ بِنَفْسِهِ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ؟

فَضْلُ الْحِرَاسَةِ فِي سَبِيلِِ اللَّهِ:

قَالَ: «طُوبَى لِعَبْدٍ آخذٍ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَشْعَثَ رَأْسُهُ، مُغْبَرَّةٍ قَدَمَاهُ، إِنْ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي السَّاقَةِ كَانَ فِي السَّاقَةِ، إِنِ اسْتَأْذَنَ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، وَإِنْ شَفَعَ لَمْ يُشَفَّعْ». البخاريُّ.

الْحِرَاسَةُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ضَرْبٌ مِنَ الْجِهَادِ، ثَوَابُهَا عَلَى قَدْرِ نَفْعِهَا وَجَدْوَاهَا وَطُولِهَا وَقَصْرِهَا، وَلَا يَخْفَى مَا فِي الْحِرَاسَةِ مِنْ نَفْعِ الْمُسْلِمِينَ.

فَضْلُ الرَّمْيِ فِي سَبِيلِ اللهِ:

قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60].

وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ». [مُسْلِمٌ].

وَقَالَ: «مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّه ِتَعَالَى بَلَغَ الْعَدُوَّ أَوْ لَمْ يَبْلُغْهُ كَانَ كَعِتْقِ رَقَبَةٍ». [النَّسَائِي التِّرْمَذِيُّ وَابْنُ مَاجَه].

وَإِنّمَا شَرُفَ الرَّمْيُ لِعُمُومِ مَنْفَعِتِهِ؛ لِأَنَّهُ يُقَاتِلُ بِهِ الْقَاصِي وَالدَّانِي، وَمِنَ الْقِلَاعِ وَالْحُصُونِ، وَمِنَ الْأَوْدِيَةِ وَالْوِهَادِ مَعَ غَلَبَةِ سَلَامَةِ الرُّمَاةِ، وَلَا يَتَأَتَّى مِثْْلُ ذَلِكَ فِي السَّيْفِ وَالسِّنَانِ، وَلِذَلِكَ حَثَّ رَسُولُ اللَّهِ عَلَى تَعَلُّمِ الرَّمْيِ.

فَضْلُ السَّهَرِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ:

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «حُرِّمَتِ النَّارُ عَلَى عَيْنٍ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَحُرِّمَتِ النَّارُ عَلَى عَيْنٍ سَهَرَتْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ». [أَحْمَد وَالْحَاكِمُ].

مَنْ سَهَرَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَدْ تَرَكَ غَرَضَهُ مِنَ النَّوْمِ طَاعَةً لِلَّهِ بِمَا يَتَجَشَّمُهُ مِنْ خَوْفِ الْعَدُوِّ، وَلِذَلِكَ حُرِّمَتْ عَيْنُهُ عَلَى النَّارِ.

فَضْل قَتْلِ الْكَافِرِ فِي سَبِيلِ اللهِ:

قَالَ: «لَا يَجْتَمِعُ كَافِرٌ وَقَاتِلُهُ فِي النَّارِ أَبَدًا». [مُسْلِم].

إِنّمَا لَمْ يَجْمَعِ اللهُ بَيْنَ الْكَافِرِ وَقَاتِلِهِ فِي النَّارِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ مَحَا كُفْرَهُ مِنَ الْأَرْضِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقْتُلَهُ مُغَرَّرًا أَوْ غَيْرَ مُغَرَّرٍ، فَلَوْ رَمَاهُ مِنْ بُعْدٍ مَعَ أَمْنِهِ مِنْهُ لَمْ يَجْتَمِعْ مَعَهُ فِي النَّارِ، إلَّا أَنَّ أَجْرَ الْمُغَرَّرِ أَتَمُّ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ عَلَى قَدْرِ النَّصَبِ.

فَضْلُ الصَّوْم فِي سَبِيلِ اللَّهِ:

قَالَ: «مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَاعَدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا». [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].

إِنّمَا يُشْرَعُ الصَّوْمُ فِي الْجِهَادِ فِي حَقِّ مَنْ لَا يُؤَثِّرُ الصَّوْمُ فِي قُوَاهُ، وَلَا يُضَعِّفُهُ عَنْ مُلَاقَاةِ الْعَدُوِّ.

فَضْلُ مَشَاقِّ الْغَزْوِ:

قَالَ اللهُ تَعَالَى: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُوا عَن رَّسُولِ اللّهِ وَلاَ يَرْغَبُوا بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلًا إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120) وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [التوبة: 120- 121].

جَعَلَ اللَّهُ الْأَجْرَ عَلَى هَذِهِ الْمَشَاقِّ الَّتِي تَلْحَقُ الْمُجَاهِدَ فِي طَرِيقِهِ لِأَنَّ الثَّوَابَ عَلَى قَدْرِ النَّصَبِ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: بِعَيْنِي مَا يَتَحَمَّلُ الْمُتَحَمِّلُونَ مِنْ أَجْلِي.

فِي وَصِيَّةِ الْإمَامِ الْغُزَاةَ:

كَانَ رَسُولُ اللَّهِ إذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، ثُمَّ قَالَ: «اغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ، فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ، وَلَا تَغُلُّوا وَلَا تَغْدِرُوا وَلَا تُمَثِّلُوا وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا». [مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ].

وَصِيَّةُ الْغُزَاةِ نُصْحٌ لَّهُمْ، وَهِيَ مِنْ بَابِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ.

فَضْلُ تَجْهِيزِ الْغُزَاةِ:

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَدْ غَزَا، وَمَنْ خَلَفَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فِي أَهْلِهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا». [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].

تَجْهِيزُ الْغُزَاةِ وَخِلَافَتُهُمْ فِي أَهْلِهِمْ مُنْدَرِجٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى} [الْمَائِدَة: 2].

وَالْجِهَادُ مِنْ أَبَرِّ الْبِرِّ، وَالْمَعُونَةُ عَلَيْهِ مِنْ أَفْضَلِ الْمَعُونَةِ.

فَضْلُ الْإِخْلَاصِ فِي الْجِهَادِ:

سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ عَنِ الرَّجُلِ يُقَاتِلُ شُجَاعَةً، وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً، وَيُقَاتِلُ رِيَاءً، أَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ: «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ِفَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ». [أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ].

الْفَضَائِلُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْجِهَادِ خَاصَّةً فِي مَنْ جَاهَدَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا، وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ لَا إِلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنَ الْأََعْمَالِ إلَّا مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهُهُ.

فَضْلُ الْخُرُوجِ يَوْمَ الْخَمِيسِ:

قَلَّ مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يَخْرُجُ فِي سَفَرٍ إذَا خَرَجَ إِلَّا يَوْمَ الْخَمِيسِ [الْبُخَارِيُّ].

يَنْبَغِي لِلْمُجَاهِدِ أَنْ يَخْرُجَ يَوْمَ الْخَمِيسِ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ فِي أَسْفَارِهِ؛ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ تُعْرَضُ عَلَى اللَّهِ يَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيُعْرَضُ عَلَيْهِ أَنَّ فُلَانًا خَرَجَ مُجَاهِدًا فِي سَبِيلِكَ وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِكَ.

فِي خُرُوجِ الْإِمَامِ فِي السَّرَايَا:

قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ مَا قَعَدْتُ خَلْفَ سَرِيَّةٍ تَغْزُو فِي سَبِيلِ اللهِ، وَلِكِنْ لَا أَجِدُ سَعَةً فَأَحْمِلُهُمْ، وَلَا يَجِدُونَ سَعَةً فَيَتِّبِعُونِي، وَلَا تَطِيبُ أَنْفُسِهِمْ أَنْ يَقْعُدُوا بَعْدِي». [مُتَّفَقٌ عَلَيِهِ].

هَذَا مِنْ رِفْقِ رَسُولِ اللهِ بِأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ؛ تَرَكَ الْخُرُوجَ فِي جَمِيعِ السَّرَايَا لِئَلَّا يَشُقَّ عَلَى الضَّعَفَاءِ، وَاعْتَذَرَ بِأَنَّهُ لَا يَجِدُ مَا يَحْمِلُهُمْ عَلَيْهِ وَلَوْ وَجَدَ لَفَعَلَ.

فَيَنْبَغِي لِمَنْ تَوَلَّى أُمُورَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُّعَامِلَهُمْ بِمِثْلِ مَا عَامَلَهُمْ بِهِ سَيِّدُ الْمُرْسَلِينَ وَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ.

فَضْلُ الْغُدُوِّ وَالرَّوَاحِ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالرِّبَاطِ:

قَالَ: «غَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَرِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا». [الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمَذِيُّ].

إِذَا كَانَتِ الْغَدْوَةُ وَالرَّوْحَةُ فِي سَبِيلِ اللهِ خَيْرًا مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، فَمَا الظَّنُّ بِمَنْ وَاظَبَ عَلَى ذَلِكَ الشَّهْرَ وَالشَّهْرَيْنِ، وَالسَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ؟

فَضْلُ الْجِرَاحِ فِي سَبِيلِ اللهِ:

قَالَ: «مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِ اللهِ- وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ- إِلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ دَمًا: اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ». [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].

إِنَّمَا يَجِيءُ الْجُرْحُ كَذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَفْضِيلًا لَهُ عَلَى أَهْلِ الْمَوْقِفِ، وَنِدَاءً عَلَيْهِ بِأَنَّهُ بَذَلَ نَفْسَهُ حَتَّى جُرِحَ فِي سَبِيلِ اللهِ.

فَضْلُ الْغَالِبِ فِي سَبِيلِ اللهِ:

قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}[النساء: 74].

عَظَّمَ اللهُ أَجْرَ الْغَالِبِ فِي سَبِيلِ اللهِ لِأَنَّهُ امْتَثَلَ أَمْرَ اللهِ بِقَتْلِ أَعْدَاءِ اللهِ وَدَفْعِ شَرِّهِمْ عَنْ أَوْلِيَاءِ اللهِ.

فَضْلُ الْمَقْتُولِ فِي سَبِيلِ اللهِ:

قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ} [آل عمران: 169- 170].

قَالَ: «أَرْوَاحُهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ لَهَا قَنَادِيلُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ تَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ». [مُسْلِمٌ].

لَمَّا بَذَلَ الشُّهَدَاءُ أَنْفُسَهُمْ لِأَجْلِ اللهِ أَبْدَلَهُمُ اللهُ حَيَاةً خَيْرًا مِنْ حَيَاتِهِمُ الَّتِي بَذَلُوهَا، وَجَعَلَهُمْ جِيرَانَهُ يَبِيتُونَ تَحْتَ عَرْشِهِ، وَيَسْرَحُونَ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءُوا لَمَّا انْقَطَعَتْ آثارُهُمْ مِنَ السُّرُوحِ فِي الدُّنْيَا.

فَصْلٌ فِي رِفْقِ الْإِمَامِ بِالْغُزَاة:

قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ، وَمَنْ شَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ». [مُسْلِمٌ].

عَلَى مَنْ تَوَلَّى أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ فِي جِهَادٍ أَوْ غَيْرِهِ أَلَّا يُكَلِّفَهُمْ مَا لَا يُطِيقُونَ، وَلَا مَا تَشُدُّ مَشَقَّتُهُ عَلَيْهِمْ، فَلَا يُغْزِي قَوْمًا وَيُرِيحُ آخَرِينَ، بَلْ يُنَاوِبُ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ فَيُغْزِي بَعْضَهُمْ وَيُرِيحُ بَعْضَهُمْ ثُمَّ يُغْزِي الْمُسْتَرِيحِينَ وَيُرِيحُ الْغَازِينَ، إِلَّا أَنْ يَحْضُرَ مُهِمٌّ فَيَجْمَعُ لَهُ جَمِيعَ الْغُزَاةِ.

فَصْلٌ فِي التَّكْبِيرِ عَلَى الْكُفَّارِ:

لَمَّا أَشْرَفَ رَسُولُ اللهِ عَلَى خَيْبَرَ وَقَدْ خَرَجَ أَهْلُهَا قَالَ: «اللهُ أَكْبَرُ، خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ المُنْذَرِينَ». [الْبُخَارِيُّ].

ذِكْرُ كِبْرِيَاءِ اللهِ حَاثٌّ عَلَى تَعْظِيمِهِ، وَعَلَى قَتْلِ الْكُفَّارِ الَّذِينَ نَسَبُوهُ إِلَى مَا لَا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ مِنَ الشَّرِيكِ وَالصَّاحِبَةِ وَالْوَلَدِ كَمَا زَعَمَ النَّصَارَى فِي الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ.

فِي وَقْتِ الْقِتَالِ:

كَانَ رَسُولُ اللَّهِ إذَا لَمْ يُقَاتِلْ أَوَّلَ النَّهَارِ أَخَّرَ الْقِتَالَ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ وَتَهُبَّ الرِّيحُ وَيَنْزِلُ النَّصْرُ [أبُو دَاوُدَ].

الْقِتَالُ أَوَّلَ النَّهَارِ أفَضْلُ؛ لِبَرْدِهِ، وَاسْتِجْمَامِ الْقُوَى َفِيهِ، وَاتِّسَاعِ النَّهَارِ لِإِكْمَالِ أَغْرَاضِ الْقِتَالِ. فَإِنْ فَاتَ فَبَعْدَ الزَّوَالِ حِينَ تُفْتَحُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَيَتَّسِعُ الْوَقْتُ.

فَصْلٌ فِي الْبِدَايَةِ بِالرَّمْيِ:

قَالَ: «إِذَا أَكْثَبُوكُمْ فَارْمُوهُمْ بِالنَّبْلِ وَلَا تَسُلُّوا السُّيُوفَ حَتَّى يَغْشَوْكُمْ». [عَبْدُ الرَزَّاقِ وَأَبُو دَاوُدَ].

لَا تُسَلُّ السُّيُوفُ مَعَ بُعْدِ الْكُفَّارِ؛ إِْذ لَا فَائِدَةَ فِي سَلِّهَا، بَلْ يُرْمَوْنَ بِالنَّبْلِ إِلَى أَنْ يَتَدَانَى الْفَرِيقَانِ فَحِينَئِذٍ تُسَلُّ السُّيُوفُ.

فِي عَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَى الْكُفَّارِ:

قَالَ اللهُ تَعَالَى: {إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} [النمل: 30- 31].

وَقَالَ: {وَقُل لِّلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ} [آل عمران: 20].

وَكَتَبَ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى هِرَقْلَ: «أَسْلِمْ تَسْلَمْ، وَأَسْلِمْ يُؤْتِكَ اللهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ». [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].

عَرْضُ الْإِسْلَامِ عَلَى الْكُفَّارِ إِحْسَانٌ إِلَيْهِمْ بِالتَّوَسُّلِ إِلَى نَقْلِهِمْ مِنَ الْكُفْرِ إِلَى الْإِيمَانِ، وَمِنَ أَسْبَابِ السَّخَطِ إِلَى أَسْبَابِ الرِّضْوَانِ.

فَصْلٌ فِي تَخْوِيفِ أَهْلِ الْحَرْبِ وَإِرْهَابُهُمْ:

قَالَ اللهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ سُلَيْمَانَ: {ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ} [النمل: 37].

هَذَا دَأَبُ الْأَنْبِيَاءِ وَفِعْلُ الْعُقَلَاءِ؛ أَخَذَهُمْ أَوَّلًا بِالتَّلَطُّفِ وَالدُّعَاءِ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَلَمَّا غَالَطُوهُ وَخَدَعُوهُ بِإِرْسَالِ الْهَدِيَّةِ أَغْلَظَ لَهُمُ الْقَوْلَ فَقَالَ: {فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ} [النمل: 37].

فِي الِاسْتِعْدَادِ لِقِتَالِهِمْ بِمَا يُرْهِبُهُمِ:

قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60].

وَقَالَ: «الْخَيْلُ مَعْقُودٌ بِنَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ: الْأَجْرُ وَالْمَغْنَمُ». [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].

إِذَا عَلِمَ عَدُوُّكَ أَنَّكَ مُتَيَقِّظٌ لَهُ، مُسْتَعِدٌّ لِقِتَالِهِ خَافَكَ وَانْقَطَعَتْ أَطْمَاعُهُ مِنْكَ.

فَصْلٌ فِي النَّفِيرِ وَبَذْلِ الْأَنْفُسِ وَالْأَمْوَالِ:

قَالَ اللهُ تَعَالَى: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ}[التوبة: 41].

وَقَالَ: {إِلاَّ تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا} [التوبة: 39].

أَوْلَى مَا بُذِلَتْ فِيهِ الْأَنْفُسُ وَالْأَمْوَالُ: طَاعَةُ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، وَمِنْ أَفْضَلِ طَاعَاتِهِ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ فَضَائِلِهِ الْعَاجِلَةِ وَالْآجِلَةِ.

فَصْلٌ فِي التَّشْدِيدِ عَلَيْهِمْ وَالْغِلْظَةِ:

قَالَ اللهُ تَعَالَى: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ} [الفتح: 29].

وَقَالَ: {جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [التوبة: 73].

وَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً}[التوبة: 123].

يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ التَّشْدِيدُ وَالْغِلْظَةُ عَلَى الْكَفَرَةِ أَبْلَغَ مِنَ الْغِلْظَةِ وَالتَّشْدِيدِ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنَ الْعُصَاةِ؛ لِأَنَّ الْغِلْظَةَ عَلَى قَدْرِ الذُّنُوبِ، وَأَعْظَمُ الذُّنُوبِ ذُنُوبُ الْكُفَّارِ.

فَصْلٌ فِي الْمُشَاوَرَةِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَى اللهِ فِي الْقِتَالِ:

قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}[آل عمران: 159] أَيْ تَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَلَا تَتَوَكَّلْ عَلَى الْمُشَاوَرَةِ.

مَا عُلِمَ أَنَّهُ مَصْلَحَةٌ رَاجِحَةٌ فَلَا مُشَاوَرَةَ فِي فِعْلِهِ، وَمَا عُلِمَ أَنَّهُ مَفْسَدَةٌ رَاجِحَةٌ فَلَا مُشَاوَرَةَ فِي تَرْكِهِ، وَمَا الْتَبَسَ أَمْرُهُ فَفِيهِ الْمُشَاوَرَةُ؛ فَإِنَّ اللهَ لَمْ يَجْمَعِ الصَّوَابَ كُلَّهُ لِوَاحِدٍ، وَلِذَلِكَ شُرِعَتِ الْمُشَاوَرَةُ؛ فَإِنَّ الصَّوَابَ قَدْ يَظْهَرُ لِقَوْمٍ وَقَدْ يَغِيبُ عَنْ آخَرِينَ. وَقَدْ قِيلَ لِلشَّافِعِيِّ: أَيْنَ الْعِلْمُ كُلُّهُ؟ فَقَالَ: فِي الْعَالَمِ كُلِّهِ، يَعْنِي: أَنَّ اللهَ فَرَّقَهُ فِي عِبَادِهِ وَلَمْ يَجْمَعْهُ فِي وَاحِدٍ.

مَعَ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَطْيِيبِ النُّفُوسِ وَتَأْلِيفِ الْقُلُوبِ، وَقَدْ قَالَ رَبُّ الْعَالَمِينَ لِسَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: 159].

فَيَنْبَغِي لِمَنْ تَوَلَّى أُمُورَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَقْتَدِيَ بِسَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ فِي ذَلِكَ، فَيُشَاوِرُ فِي كُلِّ تَصَرُّفٍ مَنْ كَانَ عَارِفًا بِذَلِكَ التَّصَرُّفِ، وَلَا يُشَاوِرُ فِي كُلِّ فَنٍّ إِلَّا أَرْبَابَهُ، مُقَدِّمًا لِأَفَاضِلِهِمْ وَأَمَاثِلِهِمْ عَلَى مَنْ دُونَهُمْ.

فَصْلٌ فِي الْقِتَالِ لِإِنْقَاذِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَيْدِي الْكُفَّارِ:

قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ} [النساء: 75].

إِنْقَاذُ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَيْدِي الْكُفَّارِ مِنْ أَفْضَلِ الْقُرُبَاتِ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إِذَا أَسَرُوا مُسْلِمًا وَاحِدًا وَجَبَ عَلَيْنَا أَنْ نُوَاظِبَ عَلَى قِتَالِهِمْ حَتَّى نُخَلِّصَهُ أَوْ نُبِيدَهُمْ، فَمَا الظَّنُّ إِذَا أَسَرُوا خَلْقًا كَثِيرًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ؟

فَصْلٌ فِي الثُّبُوتِ فِي الْقِتَالِ:

قَالَ اللهُ تَعَالَى: {إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا} [الأنفال: 45].

وَقَالَ: {إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ} [الأنفال: 15] وَقَالَ: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ} [الصف: 4].

الثُّبُوتُ فِي الْقِتَالِ سَبَبٌ لِلنَّصْرِ وَالظَّفْرِ، مُضْعِفٌ لِقُلُوبِ الْكُفَّارِ قَاطِعٌ لِرَجَائِهِمْ.

فَصْلٌ فِي بَذْلِ الْجُهْدِ فِي النِّكَايَةِ بِهِمْ:

قَالَ اللهُ تَعَالَى: {فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} [التوبة: 5].

فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقِتَالِ:

قَالَ اللهُ تَعَالَى: {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} [الأنفال: 12].

وَقَالَ: {فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ} [محمد: 4].

عَلَّمَ اللهُ عِبَادَهُ كَيْفَ يُقَاتِلُونَ أَعْدَاءَهُ، فَأَمَرَهُمْ بِضَرْبِ الْأَعْنَاقِ؛ لِأَنَّهُ أَقْطَعُ لِغَائِلِتِهِمْ، وَبِقَطْعِ كُلِّ بَنَانٍ؛ لِأَنَّهُ مَانِعٌ لَّهُمْ مِنَ الْقِتَالِ.

فَصْلٌ فِي قَطْعِ أَشْجَارِهِمْ وَتَخْرِيبِ دِيَارِهِمْ:

قَالَ اللهُ تَعَالَى: {مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ} [الحشر: 5].

وَقَالَ: {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ} [الحشر: 2].

وَقَطَعَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَحَرَّقَ.

فَصْلٌ فِي التَّجَلُّدِ عَلَى مَا يُصِيبُنَا فِي الْحَرْبِ:

قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا} [آل عمران: 146].

وَقَالَ: {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا} [آل عمران: 139].

التَّجَلُّدُ عَلَى مَا يُصِيبُنَا فِي طَاعَةِ اللهِ وَجِهَادِ أَعْدَاءِ اللهِ صَلَابَةٌ فِي دِينِنَا، وَمُوهِنٌ لِقُلُوبِ أَعْدَائِنَا.

فَصْلٌ فِي الْجِدِّ فِي طَلَبِهِمْ:

قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَلاَ تَهِنُوا فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ} [النساء: 104].

وَقَالَ: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوا أَجْرٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 172].

فَصْلٌ فِي اجْتِنَابِ التَّنَازُعِ فِي الْقِتَالِ:

قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}[الأنفال: 46].

فَصْلٌ فِي الدُّعَاءِ بِالْمُعُونَةِ وَالنَّصْرِ وَالصَّبْرِ:

قَالَ اللهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ أَصْحَابِ طَالُوتَ: {وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 250].

الدُّعَاءُ بِالْمُعُونَةِ وَالنَّصْرِ تَفْوِيضٌ إِلَى اللهِ، وَعَمَلٌ بِقَوْلِهِ: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ} [آل عمران: 159].

فَصْلٌ فِي الْمُصَابَرَةِ وَالرِّبَاطِ:

قَالَ اللهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا} [آلُ عِمْرَانَ: 200].

وَقَالَ تَعَالَى: {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ} [البقرة: 177].

فَصْلٌ فِي أَنَّا لَا نَطْلُبُ الصُّلْحَ:

قَالَ اللهُ تَعَالَى: {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللهُ مَعَكُمْ} [مُحَمَّدٌ: 35].

فَصْلٌ فِي إِجَابَتِهِمْ إِلَى صُلْحٍ َفِيهِ حَظُّ الْإِسْلَامِ:

قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ} [الأنفال: 61].

فَصْلٌ فِي نَبْذِ عَهْدِهِمْ إِذَا خِيفَ غَدْرُهُمْ:

قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ} [الْأَنْفَالُ: 58].

فَصْلٌ فِي الْمُبَالَغَةِ فِي نِكَايَةِ النَّاقِضِينَ:

قَالَ اللهُ تَعَالَى: {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ}[الأنفال: 57].

فِي فِعْلِ الْأَصْلَحِ مِنَ الْمَنِّ وَالْفِدَاءِ وَتَأْخِيرِ الْأَسْرِ إِلَى مَا بَعْدَ الْإِثْخَانِ:

قَالَ اللهُ تَعَالَى: {فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء} [محمد: 4].

الْعَزْمُ التَّامُّ: تَأْخِيرُ الْأَسْرِ إِلَى الْإِثْخَانِ.

وَأَمَّا شَدُّ الْوِثَاقِ: فَإِرْشَادٌ إِلَى الِاحْتِيَاطِ فِي كُلِّ مَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْتَاطَ لَهُ.

وَأَمَّا ضَرْبُ الْأَعْنَاقِ وَكُلَّ بَنَانٍ: فَإِنَّ ضَرْبَ الْأَعْنَاقِ يُبِيدُهُمْ، وَقَطْعَ كُلِّ بَنَانٍ يَمْنَعُهُمْ مِنَ الْقِتَالِ، بِخِلَافِ إِيقَاعِ الضَّرْبِ فِي غَيْرِ هَذَيْنِ الْمَحَلَّيْنِ؛ فَإِنَّ التَّوْسِيطَ عَزِيزٌ قَلِيلٌ، وَلَا يَتَأَتَّى ضَرْبُ الْأَوْسَاطِ كَمَا يَتَأَتَّى ضَرْبُ الْأَعْنَاقِ.

وَأَمَّا الثُّبُوتُ فِي الْقِتَالِ وَالْمُبَالَغَةُ فِي قِتَالِهِمْ بِالْأَسْبَابِ الْمَذْكُورَةِ: فَفِيهِ مُبَالَغَةٌ فِي زَجْرِهِمْ عَنِ الْكُفْرِ، مَعَ مَا َفِيهِ مِنْ إِعْزَازِ الدِّينِ، وَنُصْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ، وَشِفَاءِ صُدُورِهِمْ مِنَ الْكَافِرِينَ.

وَأَمَّا قَطْعُ الْأَشْجَارِ وَتَخْرِيبُ الدِّيَارِ: فَخِزْيٌ لَّهُمْ وَإِضْعَافٌ لِقُلُوبِهِمْ؛ فَإِنَّ الْمَصَائِبَ تُضْعِفُ الْقُلُوبَ وَتَكْسِرُ النُّفُوسَ، وَلِذَلِكَ قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ} [الَحَشْرُ: 5].

وَأَمَّا الجِدُّ فِي طَلَبِهِمْ: فَفِيهِ إِيهَامُهُمْ قُوَّةً لِلْمُسْلِمِينَ وَكَسْرٌ لِشَوْكَتِهِمْ.

وَأَمَّا اجْتِنَابُ التَّنَازُعِ: فَإِنَّ الرَّأْيَ إِذَا اتَّفَقَ عَلَى كَيْدِهِمْ وَقِتَالِهِمْ حَصَلَ الْغَرْضُ، وَإِذَا وَقَعَ التَّنَازُعُ جَرَى الْأَمْرُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ.

وَأَمَّا الدُّعَاءُ بِالْمَعُونَةِ وَالنَّصْرِ وَالصَّبْرِ: فَفِيهِ تَفْوِيضُ الْأَمْرِ إِلَى مَنْ لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ؛ {وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} [هُودٌ: 123].

{وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطَّلَاقُ: 3] أَيْ: كَاَفِيهِ.

وَأَمَّا الدُّعَاءُ إِلَى الصُّلْحِ: فَضَيْمٌ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَذُلٌّ وَوَهْنٌ، فَلَا يَجُوزُ إِلَّا فِي حَالِ الِاضْطِرَارِ وَدَفْعِ أََمْرٍ لَا يُطِيقُهُ الْمُسْلِمُونَ كَمَا عَزَمَ صَلَّى اللَّه ُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُصَالِحَ عَامَ الْخَنْدَقِ عَلَى ثُلُثِ ثِمَارِ الْمَدِينَةِ؛ وَمَنِ ابْتُلِيَ بِكَلْبٍ عَقُورٍ فَشَغَلَهُ عَنْ شَرِّهِ وَأَذِيَّتِهِ بِرَغِيفِ خُبْزٍ فَلَا ضَيْمَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ.

وَأَمَّا نَبْذُ الْعَهْدِ إِلَى مَنْ خِيفَ خِيَانَتُهُ: فَلِلْمُسَاوَاةِ فِي الْخَوْفِ مِنَ الطَّرَفَيْنِ، كَيْلَا نَخَافَ وَيَأْمَنُوا.

وَأَمَّا التَّشْرِيدُ بِسَبَبِ النَّقْصِ: فَمَعْنَاهُ أَنْ يَفْعَلَ بِهِمْ مِنَ الْأَسْرِ وَالْحَصْرِ وَالْإِرْقَاقِ وَأَخْذِ الْأَمْوَالِ وَسَبْيِ النِّسَاءِ وَالْأَطْفَالِ، مَا يُخَوِّفُ غَيْرَهُمْ أَنْ يُصِيبَهُمْ مِثْْلُ مَا أَصَابَهُمْ فَيَشْرُدُوا مِنَ الْبِلَادِ خَوْفًا مِنْ مِثْْلِ ذَلِكَ، أَيْ: يَهْرُبُوا مِنْها.

خاتمة:

تَمَّتْ أَحْكَامُ الْجِهَادِ وَفَضَائِلُهُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَصَلَوَاتُهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَامُهُ كَثِيرًا دَائِمًا.

فَرَغَ مِنْ تَعْلِيقِهِ الْفَقِيرُ إِلَى رَحْمَةِ رَبِّهِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عِيسَى بْنِ يُوسُفَ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الْمُرَادِيُّ الْأَنْدُلُسِيُّ، دَاعِيًا لِمُصَنِّفِهِ وَمَالِكِهِ، أَقَرَّ اللهُ أَعْيُنَهُمَا بِالتَّوْفِيقِ وَإِيَّايَ؛ وَرَزَقَنَا رَاحَةَ الدُّنْيَا وَالآخِرِةِ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ، وَذَلِكَ فِي يَوْمِ الْأَحَدِ الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعِ الْأَوَِّلِ سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِينَ وَسِتُّمِائَةٍ. أَحْسَنَ اللهُ عَاقِبَتَهُ.

0 comments on “كتاب: أحكام الجهاد وفضائله

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.